أخبار دولية

ملايين الوظائف ومليارات الدولارات.. بالأرقام هذا ما ستخسره شركات الطيران في أزمة كورونا

عبد الحافظ الصاوي

أدت أزمة وباء كورونا إلى شل حركة العديد من مظاهر النشاط الاقتصادي، وكان من أسرع الأنشطة الاقتصادية التي تأثرت سلبا بالأزمة حركة الطيران، حيث سارعت معظم الدول إلى إغلاق مجالها الجوي أمام حركة الملاحة الدولية، وركزت الحكومات على عودة مواطنيها العالقين في دول أخرى. 

والخسائر التي تكبدتها شركات الطيران لا تتوقف عند حدود تكبد رواتب العاملين، أو مصروفات الصيانة، أو سداد التزاماتها تجاه البنوك التي موّلت شراء طائراتها سابقا، بل الأمر يمتد ليشمل الأنشطة المرتبطة بهذه الشركات؛ من وكالات ومطارات وحكومات، وشركات تعمل في مجال التوريد لأنشطتها المختلفة.  

فمع قرار أميركا حظر استقبال الطيران الأوروبي هبطت أسعار أسهم شركات الطيران الأوروبية بنحو 21%، وذلك في النصف الأول من مارس/آذار 2020.

وفي أميركا، تراجعت أسهم شركات الطيران بنحو 6% في مطلع الشهر ذاته، ولكن التأثير السلبي بعد هذا التاريخ كان أكبر من ذلك.  

وحينما حطت الطائرات على مدارجها من دون معرفة ميعاد لعودة نشاطها مرة أخرى بسبب وباء كورونا؛ أظهرت الأرقام الخاصة باتحاد النقل الجوي الدولي (I A T A) أن فرص العمل المهددة بالفقد نتيجة ذلك تصل إلى نحو 25 مليون وظيفة على مستوى العالم، كان معظمها في إقليم آسيا والباسفيك بنحو 11.2 مليون وظيفة، وكان أقلها في منطقة الشرق الأوسط بنحو تسعمئة ألف وظيفة.  

وبلا شك، إن قطاع صناعة الطائرات سيصاب هو الآخر بالآثار السلبية لأزمة كورونا، حيث سيتوقف الطلب على الطائرات، وقطع الغيار، وهذا من شأنه أن يوقف خطوط الإنتاج داخل هذه الشركات، ولو فترات انتقالية، ليتواكب مع عودة النشاط الطبيعي لشركات الطيران، وهو ما يمكن أن يتحقق بنهاية عام 2020، إذا لم يتم القضاء على الفيروس، وفك أواصر النشاط الاقتصادي العالمي من عقاله. 

أما إذا امتدت الأزمة، فستشهد صناعة الطائرات -التي تعد من أكبر الشركات من حيث الاستثمارات؛ لأنها صناعة كثيفة رأس المال- حالة من الركود لفترة تتراوح بين الأجلين القصير والمتوسط. 

ولكن مع تصاعد إجراءات الحظر، وتقييد حركة الطائرات؛ أصبحت الملاحة العالمية شبه متوقفة، وأصبحت على الرحلات الداخلية لكل دولة قيود كثيرة، وأصابها ما أصاب الرحلات الدولية من حظر، مخافة نقل العدوى.  

ولذلك رفع اتحاد النقل الجوي الدولي تقديراته للخسائر المتوقعة لقطاع الطيران، نتيجة التوقف شبه الكامل للحركة من ثلاثين مليار دولار في بداية الأزمة؛ إلى خسائر تقدر بـ113 مليار دولار مع امتداد الأزمة، ومؤخرا رفع الاتحاد تقديره للخسائر المتوقعة لنحو 250 مليار دولار. 

ولا يعد التقدير الأخير للخسائر المتوقعة لقطاع الطيران على مستوى العالم هو الحد الأقصى؛ فهناك تكاليف ثابتة تتحملها المؤسسات العاملة بمجال الطيران، أو الشركات والمؤسسات المرتبطة بها؛ من عمالة، وإيجار أبنية، وفوائد قروض، وصيانة خاصة بالطائرات، وكلما طال أمد الأزمة ارتفعت فاتورة الخسائر.  

فاتورة الخسائر 
هناك نوعان من التكاليف يتحملهما أي نشاط اقتصادي: التكاليف الثابتة، وهي تلك التي تخص شراء الأصول ومصاريف التأسيس، وهي تكاليف يتحملها المشروع، سواء مارس نشاطه أم لا. والنوع الثاني التكاليف المتغيرة، وهي تلك المرتبطة بممارسة النشاط، ويمكن الوصول بها إلى الصفر، إذا توقف المشروع تماما عن عمله. 

وفي نشاط شركات الطيران، نجد أن ثمة تقديرا من قبل الشركات الأميركية يوزع هذه التكاليف، كنسبة من إجمالي المصروفات، كما يلي:  

الوقود: 17.7%، العمالة: 32%، تكاليف امتلاك أو إيجار الطائرات: 7.1%، تكاليف امتلاك أو إيجار أصول أخرى بخلاف الطائرات: 4.5%، الإعلانات والشؤون القانونية: 8.6%، الطعام والمشروبات: 1.7%، رسوم الهبوط: 1.9%، معدات الصيانة: 1.4%، متعلقات النقل: 13.1%. 

ومن خلال هذا التقدير، نجد أن تكاليف العمالة والوقود هما أكبر عناصر التكاليف لشركات الطيران، حيث يمثلان نحو 50%، ويعد عنصر تكلفة الوقود من الأمور السهلة على الشركات للتخلص من أعبائها، ولكن العمالة -التي تمثل نحو 32% من التكاليف- لا يمكن التخلص من أعبائها في ظل أزمة توقف الطائرات، إلا وفق شروط التعاقد، وهي تختلف من دولة إلى أخرى، وكذلك من شركة إلى أخرى. 

وفي ما يتعلق بأجور الطيارين، فثمة تقديرات تذهب إلى أن أجر الطيار الواحد يتراوح بين 70 و130 ألف دولار في العام، وذلك حسب سنوات الخبرة.

وتمثل هذه التكلفة صافي خسارة للشركات في وضع توقف حركة الطيران، لأن الشركة ملزمة -حسب تعاقدها مع الطيارين- بدفع رواتبهم، ولكن قد تصل الشركات إلى اتفاقات مع الطيارين بشأن تخفيض الرواتب، أو دفع نسبة منها، باعتبار أن الأزمة خارجة عن إرادتها.    

وتأتي بعد ذلك تكلفة الطائرات، التي تعد من الأصول المعتبرة في نشاط شركات الطيران، حيث تتفاوت أسعار الطائرات حسب حجمها؛ فالطائرة البوينج الصغيرة 737، التي تتسع لـ138 مقعدا، يصل ثمنها لنحو خمسين مليون دولار، في حين يصل سعر الطائرة الكبيرة آير باص A380، التي تتسع لـ525 مقعدا، لأكثر من ثلاثمئة مليون دولار.

وفي ظل ارتفاع تكاليف ثمن شراء الطائرات، تلجأ بعض شركات الطيران إلى تأجيرها، في إطار ما يعرف بالتأجير التمويلي، الذي ينتهي في بعض صوره بالتملك، أو رد الطائرة إلى المالك الأصلي بانتهاء عقد الإيجار. 

وتتحدد خسائر شركات الطيران في أزمة كورونا، في ما يتعلق بتكلفة الطائرات، بناء على عدد ما تمتلكه، أو تقوم بتأجيره، وتكون لديها عقود إيجار ممتدة، تتضمن فترات طويلة.

وقد يكون المخرج من هذا المأزق أن العجز عن الوفاء بالقيم الإيجارية يرجع لعوامل خارجة عن الإرادة، خاصة أن معظم شركات الطيران قامت برد تذاكر السفر التي كانت محجوزة في تواريخ تعجز شركات الطيران عن القيام والوفاء بتلك الرحلات، وهو ما عظّم تراجع إيراداتها، وقدرتها على سداد التزاماتها تجاه الآخرين، بخلاف أصحاب تذاكر السفر.  

تعهد الحكومات 
بعض شركات الطيران مملوكة للدول، عبر ملكية القطاع العام، وبعضها مملوكة للقطاع الخاص، وتعهدت بعض الحكومات بدعم شركات الطيران المملوكة لها وعدم تعرضها للإفلاس، عن طريق تحمل جزء من خسائرها. 

وبإمكان الحكومات تحمّل الكثير من الأعباء عن الشركات الحكومية، مثل رواتب العاملين، وإيجار أرضيات الطائرات، فضلا عن إمكانية التواصل مع المصارف من أجل جدولة الديون، أو الإعفاء من بعض الفوائد المتراكمة بسبب عدم دفع الأقساط، أو الالتزامات الأخرى. 

لكن شركات القطاع الخاص معرضة بالفعل للإفلاس، في ظل الآثار السلبية التي لا يمكن في ظلها تحمل الخسائر المتحققة، والتي لا يُعرف لها سقف يمكن وضع سيناريوهات للعمل في إطاره. 

وبالفعل، هناك توقعات بأن تفلس كبرى شركات الطيران العالمية في مايو/أيار 2020، ما لم تعود حركة الطيران للعمل مرة أخرى. 

وبطبيعة الحال، ستخرج من السوق في هذه الأزمة شركات الطيران الصغيرة، خاصة التي تعمل في الطيران الداخلي، أو الرحلات المخفضة بين الدول، لعدم قدرتها المالية على تحمل الخسائر الكبيرة في أزمة مثل أزمة كورونا، التي أنهكت اقتصادات الحكومات والدول. 

المصدر : الجزيرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى